علَّم الله سبحانه وتعالى أن الأسرة التي
تبنى أسسها على القوامة الزوجية أسرة ينتظر منها النجاح في طريقها، لتؤدي دورها
بين لبنات المجتمع فاهتم الإسلام بالزوج وحقوقه
وحث على معرفته لأداء مسؤولياته ودوره.
وجعل من واجباته رعاية الأسرة والإنفاق
عليها، وتأمين الأمان النفسي والمادي لها. وللأسف ترى الكثيرات من النساء يعشن مع
أزواجهن عيشة الأغراب، فيكثرن عليه الأعباء والمتطلبات وكثيراً ما يتربصن به
الأخطاء. فيدفعن أزواجهن إما لكثرة المشاكل والاشتباك، أو إلى الهروب من عش
الزوجية، إذ تصبح العلاقة بينهما تتصف بالتأفف والضيق والملل!.
فقدان الزوج وتبدل الحال
لا تشعر الزوجة كثيرة الشكوى بقيمة الزوج
الحقيقية في أحيان كثيرة، إلا بعد فراقه لأي سبب كان، حينذاك تبدأ المعاناة، ويبدأ
الألم، ويبدأ حمل المسؤوليات، هنا تبدأ آلام الأرملة. فبالأمس كانت في رعاية الزوج
وكنفه ولا تلقي للدنيا بالاً، واليوم أصبحت أرملة لفقدان زوجها فجأة ذهبت حينذاك
وغيرت كلمة متزوجة إلى كلمة أرملة، وما إن رأت هذه الكلمة حتى انهالت دموعها
واستيقظت من غفلتها، وكأن الأيام لطمتها بأحداثها، عندئذٍ تسلمت المسؤولية،
وأصبحت هي الأم والأب في آن واحد.
لقد انفضت فجأةً المؤسسة التي كانت ترعاها،
وهي مقبلة على مرحلة عدم اتزان كامل، فقد تتحامل على نفسها وتقف تارة وتترنح وتسقط تارة
أخرى. فمن الأرامل من يستطعن الوقوف أمام التحدي فتراها ثابتة أمام المسؤولية التي
تطوق عنقها، وهؤلاء يضربن المثل والقدوة حين يقمن بتربية أولادهن على أفضل ما يكون،
ومنهن من تقف وسط الطريق لتعلن عن ضعفها واستسلامها، وبعضهن يجدن في مسؤولية
الأبناء بأساً شديداً فتفشلن في ملاحقة أولادهن خارج البيت أو تقدمن لهم النصح
داخل البيت فتشعرن بالانهيار حينما تجدهم لا يستجيبون لنصائحها بل يفضلون الهروب
من النصح ويدخلون في دائرة العناد والانقياد وراء رفاق السوء، أو تقف بعض الأمهات
مكبلة الأيدي تعجز عن الوصول لمصاحبة أبنائهن، فإذا استعملن العنف وجدن الهجوم،
وإذا أظهرن العطف والحنان وجدن من أبنائهم ما لا يحببن، وإذا استعن بالعم أو الخال
في توجيه الأبناء كانت الطامة الكبرى، فأصبحن في حيرة فلا يملكون إلا البكاء
والدعاء...
بل قد تقع الأرملة في شدائد المحن، فكثيراً
ما يقوم البعض من أهل زوج الأرملة بعد موت ابنهم بالمسارعة إلى فعل الحيل
والألاعيب من أجل حرمان هذه الأرملة وأولادها من الميراث. هذا غير ما يلاحق
الكثيرات منهن من عيون الطامعين من الرجال، وقد اعتبر البعض أن الأرملة بعد وفاة
زوجها سهلة المنال، مما جعلها عرضة للابتزاز والمضايقات وسوء الظن الدائم!. وهناك
مخاطر أخرى يتعرضن لها في الخارج، فهذا الجار يلاحقها حينما تخرج أو تدخل بيتها
مصراً على أن يوقعها في قبضته، حتى يجعل سيرتها وسمعتها سيئة في الحي الذي تعيش
فيه، غير ما تعانيه الأرملة من ملاحقة المخاطر النفسية والتي هي أشد ألماً.
حق العيش:
لكن إذا قدَّر الله تعالى للأرملة أن تفقد
زوجها فليس معنى ذلك أن تمنع من ممارسة حقها في الحياة الكريمة فموت الزوج ليس
معناه نهاية الحياة بالنسبة للزوجة، وليس معناه أن تعيش بقية حياتها في أغلال
وقيود لقب الأرملة، وللأسف فإنها عندما تفكر في الزواج مثلاً تنهال عليها سيول الاتهامات
والنظرات المشينة من قبل البعض (مع الأسف ليس البعض بل الأغلب) على الرغم من أن
الإسلام بشريعته السمحة يدعم الأرملة ويساعدها على التفاعل مع المجتمع، لكنها
عندما تحاول الانخراط والتفاعل مع من حولها من الجيران والأقارب قد تجد النساء من
حولها يتخوفن من الاقتراب منها، فالكل تعتقد بأنها سوف تخطف زوجها منها، ما يدفعها
أن تحبس وحيدة وتعيش على ذكريات الماضي وتكون مرتعاً لوساوس الشيطان.
الآلام النفسية:
تدفع الآلام النفسية بعض الأرامل للانعزال
عن المجتمع لتفادي الألسن والأعين البذيئة، غير ملاحقة الأحزان حينما تجد عسرة في
الحصول على المال الذي يكفي حاجاتها وحاجات أولادها... منهن من يخرج إلى العمل
فتحاصرهن الفتن، فإذا هربت منها اليوم قد تقع في قيودها غداً بحثاً عن لقمة العيش!.
الأرملة في ديننا حصلت على كل تكريم ورعاية
واهتمام، بل أكثر اللاتي تزوجهن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأرامل، فقد جعل
الإسلام للمرأة الأرملة المنزلة الكريمة، وجعل رعايتها من القروبات إلى الله
تعالى، كما أن مساعدة الأرملة على قضاء حوائجها له أجر عظيم عند الله سبحانه
وتعالى، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: (الساعي على
الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار).
وقد اعتبر الإسلام الزواج حقاً للأرملة
أجازها لها الشرع بعد انتهاء العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، أو وضع الحمل إن
كانت حاملاً، فلها أن تتزوج لتكمل حياتها في ظل الأسرة...
وقد تلجأ المرأة الأرملة للزواج عندما تشعر
أنها بحاجة لرجل يقوم بدور الأب عند فقدانها الاستطاعة في السيطرة على أبنائها،
إضافة إلى المساندة المادية.
أما من الناحية النفسية فإنها تلجأ إلى
الزواج لكثرة ما يلاحقها من آلام ومخاطر، وتنظر إلى الزواج كبداية لإعادة ترتيب
أوراقها من جديد.
على الجانب الآخر تنال المرأة الأرملة
الاحترام من المجتمع إذا أوقفت نفسها لأولادها وتفرغت لهم ورفضت الزواج بعد وفاة
زوجها، خصوصاً إذا كبر أبناؤها وكبرت هي أيضاً في العمر.
سؤال: ماذا على الأرملة؟
ليس عليها إلا أن تعود لخالقها وتعلم أن
سبحانه مدبر رزق النملة في جحرها، فعليها أن لا تيأس، بل تحسن الظن بالله، فإنه
يعلم مقدار احتياجها، فله اللجوء وله تفويض أمرها، وله الدعاء والرجاء، فإنه
سبحانه لا يرد من يسأله ولا يخيب من اتقاه، دل على ذلك قوله تعالى: (ومن يتق الله
يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).
وعليها
أن تشغل وقت فراغها بشيء هداف كالقراءة مثلاً فالكتاب خير جليس.
وعليها أن يبقى في قلبها ثقة وثبات مع
إيمانها، فقد تكوّن صورة إيجابية لتتحدى كل المخاطر التي تواجهها.
وعليها أن تخاف الله في السر قبل العلن،
وتستشعر مراقبة الله تعالى لها، فمن يخاف الله يخجل أن يعصيه في السر والعلن، فإن
الله وحده هو الذي يراها، وإن الدنيا فانية بحلوها ومرها، ولا يبقى لنا سوى
أعمالنا التي نلقى بها ربنا.
إعداد إزدهار رحمو
يمكنكم متابعة موضوع المراهقين والعلاقات الاجتماعية.. وكيفية التعامل والاهتمام بهم
تم
ردحذف